رحم الله أستاذة الفلسفة بمعهد الفرابي بالمرناقية ‘نجاة الدعجي’
و رزق أهلها و تلاميذها جميل الصبر و السلوان
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
توفيت اليوم المربية الفاضلة ” نجاة الدعجي ” استاذة الفلسفة بمعهد المرناقية توفيت اليوم وهي تؤدي رسالتها النبيلة داخل القسم
و بهذه المناسبة الاليمة نتقدم بتعازينا الحارة الى كافة عائلتها و الاسرة التربوية بكامل القطر التونسي و نطلب من الله العزيز الرحيم ان يتقبلها قبولا حسنا و ان يسكنها فراديس جنانه و ان يرزق كافة الاسرة جميل الصبر و السلوان.
إلى روح الأستاذة ”نجاة الدعجي“ شهيدة الدّرس
رحمك الله سيدتي يا حبيبة الفكر و الحكمة و الخُلق و المُثل ” نجـاة الـدّعـجـي “
23 -12 -2016
الأستاذ كمال عزّوز
” هــم يـحـسـدو ني عــلى مـوتي فــوا أســفـا * * حــتى عــلى المــوت ِ لا أخــلـو مــن الحــســـدِ “
هذا البيت نظمه الشاعر ” يزيد بن معاوية ” في مقام غزلي محدّد … وما دعاني إلى تذكّره و إيراده ليس المقامُ ذاته وإن كان الوجدان لا يخلو من عاطفة ولا القلب فارغ من الحبّ ، و لئن تداولت الألسنة عبارة “من الحبّ ما قتل “فإني اليوم أجد الحب قاتلا محمودا و عدوا محبوبا و سثمّا مرغوبا فيه ، أجل ، ولكن ليس بالمعنى الأول للحبّ أو لدلالته الأصلية بل بمعانيه الحافة و دلالاته الثانية …
فلئن كان الحب قد قتل كُـــثــــــيــــّرا ً لمّا هام بحبّ عــــــــــــــزّة ، و قتل قـــــيــــســـا حين عشق لــُـــــــبـــــــنى ،فإنّ الحبّ اليوم أراه قاتلي لا محالة وعدوّي الذي أعشقه وهو لعمري قاتل فئة من المجتمع قتلا فضيعا وحتميا ، و آخذ البعض منهم إلى الجنون و ساخر ممن تبقّى من الذين لا هُمُ من الأحياء فينعمون بلذات الحياة ، و لا هُم من الأموات فيُترحّمُ عليهم و ينعمون بدعوات الصالحين من الأبناء و الأفاضل من الأصدقاء و الأهل…
أحبتي قد تجدون عباراتي أقرب إلى الجنون منها إلى الصواب .. فقد أكون أصابني جنون الحب و سيرمي بي في حضن الموت كما فعل بمن سبقني و سيفعل بمن بعدي ، وهذا مصير حتمي نسير نحوه بوعي أو بدون وعي ، نسير إليه نحن فقط من بني البشر ، نحن الذين كان الحب شريعتنا وديدننا ، أجل هو الحب الذي همنا به فعشقنا و لفّ حولنا خيوطه التي لا نجاة منها ، لا نجاة منها يا “نجاة الدعجي “يا من أحببت الحكمة و زرعتها في عقول يانعة و اذهان صافية ، يا من أحببت المنطق و هديت أجيالا إلى مناهجه و أهديتهم من أنفاسك و نفسك ومن جهدك و وقتك داخل القاعة التي كانت إطار تحقيق الذات فجعلها حبك لها قبرا دنيويا احتضنك دقائق ثم سلّمك إلى رمس ترابيّ ، أليس الحب هو الذي به درست وبه درّست وبه تعلّمت و به تعلمت و به عشت و به متّ وبه أحببت أطفالا و شبابا و به أهديتهم الوقت و الجهد و الذّات و لم يبق غير الروح فلم تبخلي بها عليهم …. ما اعظمك يا حبّ ترفع من تشاء و تذلّ من تشاء و تجعل من تشاء خالدا و تجعل من تشاء حقيرا …
سيدتي ، حبيبة الحكمة ،لا تفزعي فلا حياة بعدك تحلو ولا مقام لنا في بلد يبيع أبناءه و يهين علماءه و يسخر من عاشقيه ، نحن كانا نجاة إذ لا نجاة من الجنون ومن سموم الحب الذي وحّد بيننا من شمال تونس الجميلة التي شوّهوها إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها ، أنت حبيبة الحكمة و ذاك حبيب الرياضيات الذي فارق الحياة مثلك في قاعة درسه قبل سنوات و هذا حبيب الأدب و ذاك عاشق الفيزياء و أولائك سادة اللغات … كلنا وحّد بيننا حب ما خُلقنا له و سيقتلنا هذا الحب ، “نجاة الدعجي ” أنا قادم إليك سيدتي و عشق الحروف قاتلي عاجلا أو آجلا ، فـــــــــ “ من عاش بالكلمات ، فبالكلمات يموت “…
يا عاشقة الحكمة ، ما يؤلمني أنهم يحسدونك على موتك ، فحتى على الموت لا تخلوين من الحسد ، قالوا تنعم بالراحة وبالمال و قالوا استراحت من الحياة وقالوا لتترك مكانها لغيرها يكفيها ما عاشت … و اقول إن “نجاة ” نجاة من الجهل الذي أنتم فيه غارقون و نجاة من الوضاعة التي بها تتبرّجون و من الدناءة التي بها تتعاملون ومن الرداءة التي فيها تعمهون ونجاة من جهنم التي فيها تستقرّون … نجاة هي كل استاذ في هذا الوطن الذي أثخنتموه بالجراح و أرهقتموه بالزيف و الكذب نجاة الدعجي هي كل استاذ في أرض تونس ، أنكرتم أفضاله و مزاياه و أصرفتم في ظلمه و نكران جميله …تنامون و نجاة تسهر غارقة بين الصفحات منقبة عن سبل تقويم اعوجاج فلذات أكبادكم ، تنامون ملء جفونكم و نجاة يخاف النوم الإقتراب من جفونها ، تتنزهون و نجاة نزهتها بين تفاهات أبنائكم ، تتغيبون عن إداراتكم و نجاة تلازم قاعة درسها التي كانت لها روضة تزرع فيها أزهارا فصارت لها قبرا تستل منها أنفاسها ،،،، نحن أنت يا نجاة ….لا تنزعجي و لا تبتئسي ولا تحزني أنت قتلك حب العلم وحب الحكمة والله عزوجل قال ” من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا” فطوبى لك سيدتي ، قتلك حب المعرفة و سيقتلهم حب الكراسي و المناصب البائدة و البهرج الزائف ، حبك الذي قتلك سيرفع درجتك في الدنيا و عند رب العزة وحبهم سيذلهم و يلعنهم به الرحمان ،
نجاة الدعجي ليتني كنت شاعرا فأنظم أبلغ معاني التفجّع فيك ، ليتني كنت روائيا فأسرد تفاصيل حبك الحكمة و من ارتاد درسك ، ولكني لا هذا و لا ذاك .. آسف يا نجاة فما أنا غير عاشق حروف أسير في درب الجنون نحو موت حتمي لا أدري متى يرميني حبي للحروف في أحضانه . حروف أحاول أن ألملم بها حزني و دمعي المترقرق الذي غلبني رغم مكابدتي غلبني فأحرق مقلتي وانحدر على أوراقي فامتزج بحروفي فلم أعد اتبين اسمك من اسمي ولا حبك من عشقي لذلك سأتوقف عن الكتابة رغم ان الكلام يزدحم في صدري ولا اجد له سبيلا فاعذريني سيدتي على هذا العجز الذي حلّ بي ولكن العجز في حرم صمتك قوة . ..
اترك تعليقاً